سعد الفرج

من بائع للتذاكر لرائد المسرح السياسي.. محطات مهمة في مشوار سعد الفرج

مشاهير
فريق التحرير
10 يناير 2025,11:09 م

المسرح السياسي لطالما كان منبراً للتعبير عن هموم الشعوب وقضاياها الكبرى. وفي الخليج العربي، تميز الفنان الكويتي سعد الفرج كأحد أبرز رواد هذا النوع من المسرح. مسيرته الممتدة لأكثر من نصف قرن تحمل في طياتها محطات مفصلية، تعكس التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها الكويت والخليج العربي.

النشأة وبدايات الحلم

0caaa267-e207-46c1-a854-a632042847ad

وُلد سعد الفرج عام 1941 في قرية الفنطاس بالكويت، وهي بيئة بسيطة ومتواضعة. تحدث عن نشأته قائلاً: كنت طفلاً في قرية هادئة، لكنني لم أكن راضياً عن الواقع الذي أعيشه. كنت أشعر أن العالم أوسع بكثير مما أراه، وكنت أطمح للخروج منه. كنا نزور المدينة في المناسبات فقط، مثل الأعياد ونصف رمضان. وكنت أحلم بأن أعيش الحياة في المدينة، بين السيارات والأضواء، وأرى العالم بشكل مختلف.

انتقل سعد إلى مدينة الكويت حيث عمل في وزارة الأشغال كموظف بسيط. التحق بالثانوية التجارية المسائية، وفي الوقت نفسه انضم إلى "الكشاف الوطني". وعن بداياته مع المسرح، قال: كنت أعمل في بيع التذاكر، وأشرف على تنظيم الجمهور، وأساعد الممثلين في تجهيز ملابسهم. من تلك اللحظة شعرت أن المسرح مكان مقدس، وأدركت شغفي الحقيقي.

أخبار ذات صلة

عمل مع عادل إمام.. وفاة محسن التوني مهندس الصوت السينمائي وهذا موعد جنازته

لقاء زكي طليمات والانطلاقة المسرحية

في عام 1961، كانت نقطة التحول الكبرى في مسيرة سعد الفرج عندما جاء المسرحي المصري زكي طليمات إلى الكويت بهدف تأسيس حركة مسرحية متطورة. وعن هذا اللقاء تحدث الفرج قائلاً: "كان هناك نحو 300 شاب وفتاة تقدموا للاختبار أمام زكي طليمات. حين قدمني، طلب مني إلقاء بيت شعر: 'رميتُه في صميم الفؤاد بسهمٍ'، فأكملت: 'فأصمعه'. نالت استجابتي إعجابه، وقال لي: رائع!".

هذه اللحظة فتحت أمامه أبواب المسرح الجاد، حيث تتلمذ على يد طليمات، وتعاون مع أساتذة كبار مثل حمد الرجيب، الذي يُعتبر من أعمدة المسرح الكويتي.

من بائع تذاكر إلى كاتب وممثل بارز

بدأ سعد الفرج مسيرته الفنية بمسرحية "أنا ماني سهل" عام 1965، التي كتبها بمناسبة أول عيد وطني للكويت. كانت المسرحية كوميدية من فصل واحد، وأخرجها عادل صادق. هذا العمل أكد موهبته ورؤيته المتفردة في المسرح.

وفي منتصف السبعينيات، حصل سعد على شهادة البكالوريوس في الإخراج والإنتاج التلفزيوني من الولايات المتحدة. عاد إلى الكويت ليشغل منصب رئيس قسم في تلفزيون الكويت حتى عام 1984، قبل أن يصبح مستشاراً فنياً.

رؤية نقدية وتوجه سياسي جريء

تميز سعد الفرج برؤية نقدية عميقة، حيث لم يكن مجرد فنان يؤدي أدواراً، بل كان ناقداً اجتماعياً وسياسياً من خلال أعماله. وعن مسرحية "الكويت سنة 2000"، قال: كنت أكتب لأنتقد الوضع. في المسرحية تخيلت أن النفط سينضب بحلول العام 2000، وأن الكويتيين سيعودون إلى الأعمال التقليدية التي كان يقوم بها الآباء والأجداد. أردت أن أوصل رسالة حول أهمية بناء اقتصاد متنوع وعدم الاعتماد الكامل على النفط؛ لأنه مورد غير دائم.

أعمال خالدة ومحطات بارزة

2b0c6fd4-dbdf-4d09-8f5b-4b17d7125e99

خلال مسيرته، قدم سعد الفرج العديد من الأعمال التي أصبحت علامات فارقة في تاريخ الفن الكويتي والخليجي، ومنها:

  • فيلم "بس يا بحر": يُعد من كلاسيكيات السينما الخليجية.
  • مسرحية "مضارب بني نفط": ناقشت صراعات النفط في الخليج.
  • مسرحية "سوق المناخ": جسدت الأزمة الاقتصادية الشهيرة.
  • مسرحية "هذا سيفوه": تناولت التاريخ السياسي للكويت، وأثارت جدلاً كبيراً، حيث استُدعي سعد للتحقيق بسبب محتوى المسرحية.
  • مسلسل "درب الزلق": أحد أهم الأعمال الكوميدية في تاريخ الخليج.
  • مسلسل "الأقدار": أرّخ لمرحلة الطفرة النفطية وتحولاتها.

وعن "هذا سيفوه"، قال سعد: كانت صرخة في وجه الفساد والتزييف. رغم الانتقادات التي طالتها، شعرت بأنني أديت رسالة حقيقية للمجتمع.

تجربة حياة ورؤية مجتمعية

سعد الفرج لم يكن مجرد فنان، بل كان مثقفاً مستنيراً لديه رؤية مستقبلية. تحدث عن طفولته وشبابه قائلاً: كنت أحلم بأن أعيش في المدينة، وأرى العالم بشكل مختلف. التحقت بالعمل في وزارة الأشغال، ودرست في الثانوية التجارية، وبدأت أبحث عن نفسي من خلال المسرح.

وعن بدايات المسرح في الكويت، قال: الدولة كانت تدعم الفن بشكل محدود، لكنه لم يُستغل بشكل تام كقوة ناعمة يمكنها أن تقدم الخليج وقضاياه للعالم.

الفن بين الماضي والحاضر

وفي حديثه عن واقع الفن اليوم، أبدى سعد الفرج أسفه للانحدار الذي أصاب المسرح السياسي والفن الجاد. وقال: المسرح فقد الكثير من دوره التنويري. في زمننا، كنا نكتب لننقل هموم الناس وننتقد الأخطاء. أما اليوم، فقد أصبح الفن بعيداً عن القضايا الحقيقية التي تمس المجتمع.

أخبار ذات صلة

أسعد فضة يُتوَّج بـ"جائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي"

إرث خالد ومسيرة لا تُنسى

سعد الفرج، الذي بدأ رحلته كفرد بسيط يبيع التذاكر في المسرح الشعبي، أصبح اليوم رمزاً للمسرح السياسي في الكويت والخليج العربي. من خلال أعماله، وثّق أدق المراحل في تاريخ المنطقة، ورفع راية الفن الجاد في وقت كان الخليج يتلمس خطواته الأولى نحو الحداثة.

هذا الفنان الذي قال عنه زكي طليمات: "رائع!"، لا يزال يمضي على طريق الإبداع، رافعاً شعار الفن من أجل المجتمع والوطن.

google-banner
foochia-logo