إن كنت ممن يقضون بعض الوقت يوميا على السوشيال ميديا، فعلى الأرجح أنك قد سمعت عن نظرية الأمومة اللطيفة (أو الأمومة الموثوقة)، وأنها المعيار الذهبي حين يتعلق الأمر بتربية أطفال سعداء وأصحاء ومعدين إعدادا جيدا للتعامل مع تحديات المستقبل.
ويعد هذا النمط من تربية الأطفال نمطا معتدلا نوعا ما، وهو الحل الوسط المثالي بين الأمومة الاستبدادية (حيث الطاعة والعقاب) والأمومة المتساهلة (حيث الدفء وقلة القواعد).
ولتقريب الصورة أكثر وإيضاح كيف تُطَبَّق تلك الأمومة اللطيفة بشكل عملي، يمكننا النظر لما يجب أن تفعله الأم حال قام ابنها الأكبر بضرب شقيقه الأصغر، فإنها وبدلا من أن تصرخ في وجهه أو تسأله عن سبب قيامه بذلك، يمكنها أن تقول له: "لا بأس أن تشعر بإحباط من شقيقك، لكن يجب ألّا تضربه، سأغير تعاملي معك لأبقي أخيك في أمان".
وربما يمكن للأم أو الأب أن يقوما بعد ذلك بتحديد المشاعر الأساسية والاحتياجات غير الملباة المتعلقة بهذا السلوك (فربما يكون الابن الأكبر غيورا بعض الشيء لاهتمامك أكثر بشقيقه الأصغر في ذلك اليوم) وبالتالي يكون بمقدورهما التصرف حسبما يتراءى لهما.
ويؤكد أنصار تلك النظرية (الأمومة اللطيفة) أن تعليم الأطفال بدلا من عقابهم هو السبيل الرئيسي الذي من شأنه أن يساعد على تعزيز نموهم وتطورهم بصورة إيجابية.
ولعل هذا هو السبب وراء تزايد عمليات البحث على السوشيال ميديا مؤخرا لمعرفة المزيد عن نظرية (الأمومة اللطيفة) التي يقال إنها تفيد بشكل كبير في تربية الطفل بإيجابية.
واللافت للنظر أن الترويج لفوائد تلك الطريقة في التربية لا يقتصر على المؤثرين أو المدونين، بل إن هناك بعض الدراسات والأبحاث التي تثني بالفعل على جدواها وفعاليتها.
ومع هذا، نبهت دكتور كريستين سومر، الحاصلة على شهادة دكتوراة في تنمية الطفل، إلى المخاطر التي قد تنطوي عليها تلك الطريقة، لا سيّما في طريقة الترويج لها على مواقع التواصل الاجتماعي، لكونها تشكل ضغطا غير واقعي على الآباء والأمهات، وخصوصا في زمن جائحة كورونا.
وتابعت سومر بقولها: "أظهرت الدراسات التي أجريت على مر السنين أن الأبوين ليسا بحاجة للاستجابة بشكل صحيح طوال الوقت لأطفالهما. بل هناك بالأحرى حاجة إلى وضع نظام، وضع حدود، تتبع العواقب، فهم الحالة العقلية للطفل ونموه، تحليل أسباب انهيارهم وسر شعورهم بالإحباط، مع العلم أن الأبوين غير مطالبين بأن يكونا مثاليين في ردة فعلهما وفي طريقة استجابتهما".
وواصلت سومر بقولها: "والفكرة هنا هي أنك لست مطالبة بأن تتوافقي مع احتياجات طفلك العاطفية طوال الوقت، والأصح هنا هي أن تقومي بتوجيهه للسلوك الصحيح بغض النظر عن أي شيء. فليس من الممكن من الناحية البدنية على أي شخص أن يعتني بشخص آخر لديه طلبات طوال الوقت ولديه استعداد لطلب المساعدة في كل احتياج عاطفي".
واختتمت كلامها: "ما عليك سوى أن تبذلي قصارى جهدك في تربيتك لطفلك، وعليك دوما أن تتذكري أن طفلك لا يريدك أن تخسري نفسك وأنت تباشرين مهمة الاعتناء به".