لم تكن حياة النجمة الفرنسية، إديث بياف، حياة طبيعية أو عادية، بل كانت مليئة بكثير من المواقف التراجيدية الصعبة، وتفاوتت أحداث حياتها بين صعود وهبوط وتقلبات عديدة، ونحاول استعراض تلك الحياة التي عاشتها بياف في السطور التالية.
نشأت إديث بياف في بيت دعارة، فبعد ولادتها في شوارع حي بيلفيل الذي كانت تسكنه الطبقة العالمة على أطراف العاصمة الفرنسية، باريس، تركتها والدتها، التي كانت تعمل مغنية، بعد أن وضعتها بشهرين، وقد عاشت بياف عامين بعدها مع جدتها لأمها في ظروف بائسة. وبعد عودة والدها من مشاركته في الحرب العالمية الأولى، قرر أن يصطحبها كي تعيش مع والدته، التي كانت تدير بيت دعارة.
بدأت الغناء في الشارع وهي بسن الـ 14 عاما، حيث بدأت تشارك والدها عروضه وفقراته الأكروباتية التي كان يقوم بها في الشارع؛ إذ كانت تنهي عروضه بتقديمها أغاني.
سبق أن اتُهِمَت بتورطها في جريمة قتل منتجها ومكتشفها، لويس لابلي، لكن بعد فترة من التحقيق والاستجواب والتأكد من براءتها، تم إخلاء سبيلها، لكن وبالرغم من ذلك، فقد ظلت تلك الواقعة بمثابة الوصمة التي ظلت تطاردها طوال مسيرتها الفنية.
انطلقت مسيرتها الغنائية بالتزامن مع غزو ألمانيا لفرنسا في العام 1939، واضطرت في يونيو عام 1940 بعد قيام النازيين برفع علمهم على "قوس النصر" أن تسجل نفسها في قسم الدعاية الألمانية وأن تخضع أغانيها للفحص، لكن النازيين أحبوها وبادروا بتشجيعها لمواصلة انطلاقتها الفنية والغنائية في ذلك الوقت.
اتهمها الفرنسيون بالوقوف مع النازيين، خاصة وأن الجنود الألمان كانوا يحضرون حفلاتها، وكانت تحظى بشعبية جارفة في أوساط القادة والزعماء النازيين.
لم تحقق بياف النجاح نفسه مع الجمهور الأمريكي؛ إذ قررت بعد تركها فرنسا نتيجة إخضاعها للتحقيق ووقفها عن العمل فترة من الوقت على خلفية "تهاونها مع الألمان" وعدم وقوفها بجانب المقاومة الفرنسية، قررت بياف السفر لأمريكا لإكمال مسيرتها هناك، لكنها صدمت بمجرد وصولها، لعدم استقبالها جماهيريا بالشكل الذي كانت تتمناه، لكن أحد النقاد هناك كتب عنها مقالة نقدية وطالب الجمهور بعدم نبذها، وبالفعل أبرمت تعاقدا بأحد مقاهي نيويورك الشهيرة لمدة شهرين، وبقيت في الولايات المتحدة بعدها 5 أشهر، لكن دون أن تحقق ما كانت تبتغيه.
توفي حب عمرها، الملاكم الفرنسي، مارسيل سيردان، في حادث طائرة، بعد سقوطها في جزر الأزور (وهي منطقة حكم ذاتي في البرتغال)، ولم ينجُ أحد وقتها.
تعرضت لحادث سيارة كان سببا في تعلقها بالإدمان، خاصة وأنها كانت قد بدأت تعاني من مشكلة التهاب المفاصل في نفس توقيت وفاة حبيبها، مارسيل سيردان، وبحلول عام 1951، وقت تعرضها لهذا الحادث، كانت تتناول كثيرا من الأدوية بالفعل، ووصف لها عقار مورفين المسكن، حتى أدمنته، ونتيجة لذلك دخلت في دوامة الإدمان، وسبق لها أن صرحت بأن الناس كانوا يدخلون شقتها ويسرقونها، وأنها كانت تراهم دون أن تفعل لهم أي شيء من فرط حالة الضعف التي كانت عليها.
رغم تعدد علاقاتها العاطفية، لكن أول انفصال لبياف كان عن مغني يدعى جاك بيلز، حيث توصلا سويا لقرار الانفصال بعد أن وجدا أنه بات من الصعب عليهما إكمال حياتهما معا، وبالفعل بعد عودتها لباريس قادمة من أمريكا عام 1956، أتما الانفصال.
توفيت بياف بعد إصابتها بفشل كبدي يوم الـ 10 من أكتوبر عام 1963 وهي بعمر 47 عاما.
منعت الكنيسة الكاثوليكية إقامة قداس جنائزي لها بعد وفاتها نظرا لطلاقها وزواجها من جديد، ورغم ذلك، كان مشهد جنازتها ملحميا جميلا ومظاهرة حب شعبية.
ما يزال إرثها الكئيب حيا إلى الآن، فهي لا تزال رمزا وطنيا لكل ما هو فرنسي، فهناك شارع في باريس مسمى باسمها وهناك تمثال برونزي لها ومتحف كامل مخصص لحياتها، وهو ما يعكس مدى النجومية التي وصلت إليها رغم كل ما عانته.