المشكلة هذه لاتعد ظاهرة أو مشكلة جديدة، ولكن وجودها أصبح معروفا وزاد انتشارها بصورة أكبر بفضل انفتاح العالم وتأثير الكثير مما يعرض عبر مواقع السوشال ميديا عما يعانيه بعض الأشخاص في حياتهم اليومية.
قبل أيام، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقطعا مصورا لطفل يبكي ويرغب بالموت نتيجة التنمر الذي يعيشه في مدرسته، بحيث قامت أمه بتصويره وهو يبكي ويتمنى الموت أو أن يقتله أحد وكأنه مذنب، فيما كانت بدورها تشاركه البكاء والعناء أيضا. وهذا ما يدفعنا لطرح عدة تساؤلات أهمها: ما الدوافع التي يمكنها تحويل مرحلة الطفولة إلى كابوس مرعب لدى الطفل، فيستبدل فيها الانشغال باللعب بالتفكير بالموت والخلاص من حياته البائسة؟
متى يفكر الطفل في الموت؟
دوافع عديدة، تسهم في قلب فكر الطفل رأسا على عقب، أي بدلا من تركيزه على الدراسة واللعب، يفكر بالموت أو الانتحار، وهو ما ترده أخصائية تربية الطفل هديل منذر الجعبري، إلى الأم، صاحبة الدور الأكبر، والمرآة الصادقة لطفلها في كل شيء، أي أن ما تتلفظه أمامه يتلقاه بسرعة، وما تقوله من غير قصد يأخذه طفلها بقصد، هذا قبل كل شيء.
فما تؤكده الجعبري، أن حزن الطفل ورغبته في الموت ما هما إلا انعكاس لخلل ما يتعايش معه داخل منزله، فعندما تحدث مشكلة معقدة مع الأم، ثم يسمعها تتمنى الموت نتيجة شعورها بالحزن، حينها يدرك أن حل مشكلة الحزن تتلخص بالموت، فيتمناه دائما لمجرد شعر بالحزن لأي موقف يتعرض له.
استغلال لعواطفها؛ فقد يتقصد طفلها الدعاء على نفسه بالموت، لمعرفته بنقطة ضعف أمه وحبها وخوفها عليه، فيستغل عواطفها ربما لتحقيق مآرب معينة، وتنفيذ أوامره إن رُفضت، فيشترط عليها، إما تحقيق ما يريد أو التهديد بالانتحار، ولكن المشكلة الأكبر عندما يتخد هذا التهديد سلاحا يستخدمه في كل مرة لا تنفذ فيها مطالبه، والأسوأ أن يقوم فعلا بتجربة ذلك لتنفيذ تهديده إذا استخفت به أمه وعدته كاذبا وجبانا لا يجرؤ على ذلك.
أما التنمر، وهو السلوك الذي يشتكي منه أطفال كثيرون، سواء في البيت أو المدرسة بقصد أو بغير قصد، تبدأ فعليا قصته من الأسرة، المسؤول الأول والأخير عن صنع حالة التوازن والأمان له قبل الخروج للعالم الخارجي، فإن لم يكن مشبعا بالعاطفة والتشجيع وبكل احتياجاته المعنوية سينكسر حال تعرضه للتنمر من الخارج، وهذا ما يوجب على أفراد أسرته صناعة الوقاية والأمان له وتعزيزه وعدم شتمه ولا إهانته، حتى وإن خالف الأوامر، لكي يرفض الطريقة التي يعامله الناس بها إن لم تكن طريقة تحمل في طياتها كل التشجيع والتعزيز والحوار الهادئ.
وبخلاف ذلك، أي اعتاد على إطاعة الأوامر بالشتم والضرب والإهانة، سيتقبل عندئذ أولئك الذين يقسون عليه نتيجة تعوده على ذلك الأمر وعدم استغرابه، بحسب الجعبري.
ما يجب تجنبه
من المهم تجنب السخرية من الطفل على سبيل المزاح، ترى الجعبري، وعدم نعته بأي صفة من صفاته الخَلقية إن وجدت، فهذا كله يندرج تحت مسمى التنمر. بالمقابل، لا يعني ذلك تربيته باستخدام أسلوب التفخيم، أي أنه الأفضل والأجمل والأكثر ذكاء من قرنائه، وبالتالي قد يمارس عليهم حالة من التنمر والشعور بالغرور لعدم تشابه أي أحد معه، هذا من جانب الأسرة.
أما من جانب المدرسة، فدورها كبير جدا للحد والوقوف في وجه التنمر الذي بات الأطفال يشتكون منه كثيرا في الآونة الأخيرة، والتركيز على تعليمهم في مراحلهم الأولى بأن الجميع متساوون في التعامل والاحترام، ولا أحد يُعامل بطريقة أفضل عن غيره.
أما المعلم، فيجدر به تقبّل جميع الطلاب وأنه ليس في هذا المكان ليحكم عليهم بل ليعدل سلوكهم، وعليه الحذر في طريقة تحدثه أمام الأطفال، مع تجنب استخدام الألفاظ المسيئة والعصبية والصراخ، أو التقليل من شأن أي طفل.
وما تعود وتؤكد عليه الجعبري، هو أن الجميع لديه ما ينقصه الكثير، ومع ذلك يجدر بالأسرة والمدرسة والمعلمين تركيز أنظار الأطفال وعقولهم على الإيجابيات التي تحيط بهم، وغض الطرف عن السلبيات التي تُشعرهم بالحزن، والسعي لتصحيح سلوكياتهم.
لا استخفاف بأفكاره
ليس من الجيد الاستخفاف بما يقوله الطفل ويتمناه، فإن لم يحاول الأهل تغيير مشاعره وهو يتمنى الموت، هم فعليا يوقعونه في التهلكة، الأمر الذي يدعوهم لمجالسته بشكل يومي، وتخصيص وقت جيد من أمه للتحدث معه ومنحه المساحة الكافية للتعبير عن الدوافع وراء تلك الأمنية، ومحاولة ملء وقته بمهام عليه القيام بها، بغرض تناسي الفكرة، من وجهة نظر الجعبري.
وللاهتمام بصورة أكبر، يستطيع الأهل الطلب من معلمته التعاون معهم ومنحه الكثير من الاهتمام، من خلال مراقبة وتحليل ما يقوم برسمه وكتابته، ومراقبته بالمدرسة عن بعد دون الشعور بذلك، وما إذا كان يخالط أصدقاءه أم يفضل البقاء وحيدا.
تبسيط الأفكار للطفل ومحاورته بالهدوء لإبعاد الأفكار السلبية عن باله واستبدال حزنه بكل ما يمكن من الفرح، هي أجدى وأنفع من تهديده ووعيده ولا حتى إهمال ما يقوله ويتمناه.