لم يترك الواقع الافتراضي، ولا السوشال ميديا، جزءًا من حياتنا إلا واخترقه وفرض عليه أدواته وحتى أخلاقياته، تاركًا للناس أن يقبلوها أو يرفضوها أو يطوّعوها.
أكثر ما يثير قلق المؤسسة الأسرية، كما يقول خبير السوشال ميديا، حاتم الشولي، هو اختراق التكنولوجيا وأدوات التواصل الاجتماعي لحياتنا الخاصة، وتحديدًا العاطفية.
ويزداد القلق توجسًا في المجتمعات التقليدية التي تتعامل مع القضايا العاطفية بلغة التابوهات أو بالمنطق الأبوي المتوارث الذي لا يقبل الجدل.
قوة مواقع التواصل الاجتماعي تأتي من كونها تُشغل مساحة مرنة يمكن تحديدها حسب مستخدمها، وتطويعها لتصبح مهربًا أو متنفَّسًا لكثيرين، خصوصًا أنها عملت على كسر حاجز المسافات، الذي يُعدّ المعيق الأكبر للتواصل الإنساني، وبالتالي إنشاء العلاقات، حسبما يرى الشولي.
هذه الخصوصية أتاحت للفتاة أيضًا التعرف على شخص لا تعرفه، واحتمالات أن تكتشف لاحقًا أنه يخالف الصورة التي توقعتها ورسمتها في مخيلتها عنه؛ فهذه المواقع قادرة وبشكل كبير على تزييف الحقائق، وتغيير الواقع ورسم صورة خيالية كبيرة جدًا لمستخدميها، وهو الأمر الذي يجعل الفتاة أحيانًا تخشى التعبير عن حبها في العلَن، وتجد في عبارات الحب وإشاراته قدرة للتلميح عن حبها بدلاً من التصريح.
هي إذًا مفارقة الخوف من أن الواقع الافتراضي يغالط الواقع الحقيقي.
تبدأ بالتلميح بدلاً من التصريح
"فوشيا" طرحت هذا السؤال على الخبير الشولي، فقال: "في الواقع الحقيقي، وإن كانت تلك المنصات فرصة لكسر الحواجز عند الفتيات، إلا أن هناك حواجز أخرى تمنع الفتاة من التعبير عن مشاعرها بشكل مباشر، وتجد صعوبة بالغة بالحوار الوجاهي المباشر، فتذهب لأبعد من ذلك بكثير، من خلال إنشاء حسابات وهمية بصور غير حقيقية وأسماء مستعارة للتعبير عن حبها وأحلامها ومخاوفها بطريقة أكثر مرونة بعيدًا عن الانتقاد المباشر لشخصيتها الأساسية".
ومن واقع مشاهداته للعديد من القصص عبر تلك المواقع، يشير الشولي إلى جرأة الفتاة في التلميح عن مشاعرها وحبها بدلاً من التصريح مباشرة، رغم وجود من تحبه ضمن لائحة الأصدقاء لديها، وهو ما ردّه إلى عدم قبولها لتكون المبادِرة الأولى عاطفيًا، وذلك بسبب خوفها من أن لا تتبلور "مشاعرها الإلكترونية"، بحسب وصْف الشولي، على أرض الواقع، أو لا ترى النور أساسًا.
قصص الحب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدًا من قبل الفتاة غالبًا ما تكون كالحلم أو قصص الخيال، وتظل خيالية إلى أن تصبح حقيقة، عندها يمكن القول إن مواقع التواصل في هكذا حالات، كانت الطريق الأول لبدء المشوار.
فالجلوس خلف الشاشة وإخفاء تعابير الوجه والجسد والإشارات النفسية يلعبان دورًا مهمًا جدًا بأن تكون مواقع التواصل الاجتماعي هي الأنسب للتعبير عن عواطف الفتاة ومشاعرها، وفق الشولي.
رغم ذلك، يرى الخبير، أن عددًا كبيرًا من العلاقات الزوجية الناجحة بُنيت عبر مواقع السوشال ميديا، مقابل فشل الكثير منها؛ فمحدد نجاح هذه العلاقات هو الصورة العامة لأي علاقة عندما تخرج إلى النور، وتصبح قصة واقعية ملموسة على أرض الواقع، بعدما كانت قصة إلكترونية بمشاعر إلكترونية.