يقولون: "لا بد أن يتعود الإنسان على الوحدة حتى لا ينسى حقيقته الأولى التي وُلد بها ولا بد أن يرحل معها". ربما من هذا المنطلق يمرّ على الإنسان وقت يشعر فيه بالحاجة إلى أن يبقى وحيدًا متواريًا عن الأنظار، ويجد في بُعده عن الناس "غنيمة" وإراحة لرأسه.
وأحيانًا يعيش وحيدًا رغمًا عنه، فتأخذه الحياة إلى مسارات ربما لا يحبذ السيْر فيها، فيجد نفسه منعزلاً عنهم لبعض الأحداث التي لم يتوقع صدورها منهم، أو ربما صفاتهم لا تتماشى مع تطلعاته، فيأخذ قراره بالعُزلة ليبتعد عن الانعكاسات النفسية أو السلوكية السيئة.
متى يختارها الشخص كأسلوب حياة؟
الباحثة الاجتماعية آية المسلماني وهي تتحدث لـ "فوشيا" عن تأثير الوحدة على الشخص، وكيف تلعب دورها في تدمير طاقته، قالت إنها تُسبب له من ناحية أخرى بعض الأمراض الصعبة كضعف المناعة وزيادة مخاطر أمراض القلب، وربما يخسر وزنه أو يزيده؛ لارتباط الشعور بالوحدة باضطراب تناول الطعام، والأسوأ إصابته بالاكتئاب الذي ربما يُفضي به إلى الانتحار.
يصعب على الإنسان الشعور بسلبية مفرطة، والنظر إلى الجميع بينما لا يُبصرهم أصلاً، يسمعهم ولا يُنصت لأحد منهم، يعيش حالة من الملل والرغبة بعدم المشاركة، فيقضي وقته الطويل دون التواصل مع أحد، يبكي دون سبب، ويجد في النوم الحل الأمثل للهروب من واقعه، ترى المسلماني.
وِحدة رغم وجود الكثيرين
عندما يرغب الإنسان بالوحدة، فإنه يقصد الانعزال عن أهله وكل من حوله وكأنه في غربة، ربما لتكرار الصدمات التي تعرض لها، فأوصلته لمرحلة من فقدان الاهتمام بالمشاركة الاجتماعية.
واستذكرت المسلماني قصص أصحاب ثروات كبيرة، ولهم شهرة واسعة وعلاقات اجتماعية رفيعة، ولديهم أسرة تحبهم، ولكنهم يشعرون بالوحدة والوحشة وضعف الرغبة بالاستمتاع، رغم كل ما يملكون؛ لأن الوحدة باختصار تمكّنت منهم ووجدوا فيها ملاذهم للراحة من الضغوطات والإزعاج.
وكانت الباحثة قد استحضرت مجموعة من المشاهير الذين انتحروا بسبب الاكتئاب، والفنانة داليدا الأشهر بينهم، إذ أنهت حياتها بعد معاناتها من الوحدة طويلاً، وكذلك الممثل الكوميدي روبن ويليامز، ومصممة الأزياء لورين سكوت، التي وجدت ميتة في شقتها في نيويورك بعد معاناتها من الاكتئاب مطوّلاً، ومصمم الأزياء الشهير ألكسندر ماكوين الذي انتحر بعد إصابته بالاكتئاب الشديد، وأيضًا الممثلة البريطانية لوسي جوردون التي أنهت حياتها بعد معاناتها من الوحدة بسبب موت صديقتها.
العلاج وإلا..
إنَّ الشعور بالوحدة، بحسب المسلماني، حتمًا ينعكس على صحة الإنسان الجسدية والنفسية، ولتصوّره أنَّ حياته بلا هدف، تتولد لديه الرغبة بالخلاص من هذا الشعور، فينعزل عن الناس.
لذلك، تتمحور الخطوة الأهم للخروج من دائرة الوحدة بالتوقف عن التفكير بسلبية وتذكُّر المواقف السيئة التي مرت عليه، والاقتناع بقدراته ومهاراته لتحقيق مساعيه في الحياة، كما تقول المسلماني.
والسعي للتغيير والتجديد في نمط حياته، من خلال بناء علاقات جديدة وممارسة نشاطات من شأنها أن تُحدث نقلة نوعية عنده، والأهم التركيز على ملء أوقات فراغه التي يشغلها بالتفكير.
ومن هنا كانت دعوة الباحثة إلى أهمية تخطي مشاكله والتغاضي عمّا مضى، كي لا يترك نفسه فريسة لمرض الوحدة القاتل، فهو كغيره يحتاج إلى من يحتويه ويحتضنه ويكون له ونيسًا في أيامه.