يُشبّهون إغراق المرأة العاطفيّ للرّجل بسقاية النّبتة المحتاجة للماء بما يفيض عن حاجتها، وهو ما قد يؤدّي إلى اختناقها ثمّ ذبولها أو ربّما موتها.
هذا التشبيه الشّاعريّ له من تستهويهم الصّورة فيؤيّدونها، بقدر ما له من مخالفين يؤمنون أنّ الشّحن العاطفيّ للإنسان، رجلاً أو امرأة، يختلف عن سقاية الوردة أو الشّجرة، وإن كان العطش واحدًا.
الخشية من حالة الاهتمام "غير المؤثّر"
سألت "فوشيا" الاختصاصية النفسية ومدرّبة التنمية الذاتية سحر مزهر للإجابة عمّا إذا كان الرّجل يقتنع بالحبّ "بالقطّارة" أم يريده دفعة واحدة وفي كلّ وقت، فردّت بالقول: "إنّ العلاقة التي تبدأ فيها الزّوجة بإغداق جلّ اهتمامها وعنايتها ورعايتها وإلقاء الكثير من كلمات الحبّ والغزل على مسامعه، إنّما هي حرفيًا قامت بإيصاله إلى حالة الاهتمام "غير المؤثّر"".
فإذا قامت الزّوجة أو الخطيبة أو مهما كانت علاقتها مع الشّريك، بفعل كلّ ما يحبّ ويرغب، يكون تأثيرها عليه كمن تناول وجبته للتوّ وشبع منها. فهل يمكن ترغيبه بتناول وجبة طعام جديدة بنفس الرّغبة والشّهيّة التي كان عليها في المرّة الأولى، حتى وإن كان يحبّها؟ هكذا تساءلت مزهر.
الحبّ والحنان والاهتمام عواطف مطلوبة، ولا يستغني عنها الناس، شريطة أنْ تكون بحدود المعقول. فالاهتمام المبالغ فيه يُسرّع من وصول العلاقة إلى ذلك الفتور والملل، وبالتالي الطلاق العاطفيّ. يحصل ذلك حسب مزهر؛ لأنّ الرّجل يجد في الاهتمام المبالغ فيه تقييدًا لحريّته ويُشعره بالاختناق، فيهرب منه ويزهد به ما دام أضحى فائضًا.
ومن جهة أخرى، لأنّه لا يستطيع مجاراتها ولا مبادلتها بنفس الدرجة من الاهتمام والحنان، فيجد في انسحابه والهروب خارج المنزل والبقاء مع الأصدقاء، أو الانشغال على الموبايل أو التلفاز وسيلة للهرب من الغرق بين يديْها، كما ترى مزهر.
ليس هذا فحسب، بل ربّما يساعد هذا الإغراق العاطفيّ على وقوع الخيانة الزوجية؛ فطبيعة الرّجل وفطرته تقوده ليكون هو الطّرف الذي يعطي ويحتوي ويقدّم. ولكنْ مع حدوث العكس، فإنّه سيبحث حتمًا عمّن يغدق عليها كلّ هذه العاطفة، لما لديه من فائض من هذه المشاعر والعاطفة، فيما شريكته لا تسمح له بأنْ يعطيها ما يعزّز إحساسه برجولته.
وبتعبير آخر، فإنّ زيادة عطائها واهتمامها الغامر، يمكن أنْ يُعطّل العطاء العاطفيّ للرّجل، فينسحب ليعطي من يحتاج كلّ هذا الكمّ من العاطفة. وهذه الحالة، ستُحبط الزّوجة لعدم مكافأتها على ما تقدّمه من حبّ كما تريد، فتجد نفسها وقد تعرّضت للجفاء والخيانة في نهاية المطاف، لأنّها باختصار، لم توازن في الأخذ والعطاء مع زوجها.
العطاء لكنْ ليس على حسابها
هو خيط رفيع بين الاهتمام والرعاية، فكما توضّح مزهر، هناك درجات لكلٍّ منهما، وهو ما يوجب على المرأة أن تُعطي وتهتمّ، وتكون تلك الأنثى التي تقدّم بحبّ ولكنْ ليس على حساب ذاتها؛ فالعطاء المتوازن هو ذلك الذي يبدأ من الذات، ثمّ ينتقل للآخر بلا إفراط ولا تفريط.
وفي هذا تُوصِي مزهر كلّ أنثى أنْ تعي بأنّ الرّجل لا يفكّر كما تفكّر هي؛ فحبّه لن يتوقّف على حجم إغراقه بالاهتمام والعاطفة، وقد يقع فريسة الضّيق والملل تجاه علاقته الهشّة بزوجته، التي تلاحقه لتنظيم أموره الصغيرة والكبيرة ومتابعة أخباره أينما ذهب.
"هو الحضن الذي يختنق" حسب توصيف الخبيرة مزهر التي تعتقد أنّ الرّجل يبحث في غالب الأحيان عمّن يخوض معها مغامرة اهتماماتها وعالمها، ليكون جزءًا من هذا العالم ولا شيء غيره، ويبحث عمّن تعطيه بقدر مدروس ومتوازن، عن تلك المهتمّة بنفسها وبثقافتها قبل الاهتمام به.
وتؤمن مزهر من واقع معايشتها لمشاكل الأسرة العربية، أنّ الزّواج يكون متوازنًا وناجحًا عندما تطلب الزّوجة من زوجها أنْ يهتمّ بها دون أنْ تعلّق عليه سعادتها وقيمتها، وعندما لا تغرقه بعاطفة وحبّ واهتمام، يُبعدوه عنها، فيذهب لهواء عاطفيّ آخر يستنشقه .