انطلاقًا من قاعدة "خير الأمور أوسطها" بات الأخذ والعطاء بين الزوجة وزوجها وأولادها لعبة شائكة يكثر الجدل فيها، إذ تعتبر المرأة نفسها الأكثر عطاءً والأقل أخذًا، وكلما قدمت كثيرًا جاعوا أكثر وزادت طلباتهم بصورة أكبر.
أما الرجل فيعتقد أن دوره كزوج يقتصر على توفير الحياة الكريمة لها ولأسرته، وهذا قمة العطاء بالنسبة له.
هكذا ترى المرأة نفسها
اللافت هو أن المرأة المفرطة في عطائها، تجد مكافأة على جهودها لا تحمل أي تقدير أو عرفان على أفعالها، وخير مثال على هذا، قصة الممثلة أنجيلينا جولي التي أهدت زوجها "براد بيت" بمناسبة عيد ميلاده جزيرة على شكل قلب، بلغت قيمتها ملايين الدولارات، ولكن الذهول الأكبر كان أثناء ظهورها على غلاف مجلة وهي تبكي، لتعلن أن حبيبها براد بيت خانها مع فتاة سمراء في العشرين وهو ما اعترف لها به بنفسه.
هذا مثال معروف على مشكلة المرأة التي ترى أن العطاء مطلوب منها ثم لا تجد غير العقوق.
وجهة نظر نفسية
الأخصائي النفسي باسم التُّهامي يردّ إفراط الزوجة أو الأم في عطائها، إلى تركيبتها الأساسية وجوانب شخصيتها؛ فكل ما تقدمه من خبرات ومساعدات للطرف الآخر ينمّ عن سمات إيجابية في شخصيتها تعزز لديها روح المساعدة دون أنانية أو طلب مقابل.
إلا أن تلك السمة ربما تتغير مع الوقت، وتحدث فيها تغيرات مع اختلاف المواقف بين الأشخاص؛ فالعطاء الزائد عن الحد سواء أكان ماديًا أو معنويًا، قد يجعلها محطّ استغلال من الأطراف الأخرى المستفيدة من ذلك.
والأدهى أن تُقابَل بالإساءة والاتهام بالتقصير إن أخلّت بواجباتها التي اعتادوا على جاهزيتها بأكمل وجه، أو إصابتها بحالة من جلد الذات إن كانت من الشخصيات التي تقدّر الآخرين جدًا، وتكترث لمشاعرهم وغضبهم كثيرًا، بحسب التُّهامي.
لا بد من إيجاد حلّ
الحل يكمن بضرورة القدرة على التمييز بين المواقف وتقدير المسافات، خصوصًا أن الإفراط الزائد في الاهتمام وحل المشاكل الأسرية والقدرة على وضع يدها في كل الأمور، سيخلق الكثير من السلبيات للأطراف كافة.
لأنها بالنسبة للمستفيدين منها، لا تشكل سوى مصدر للحصول على ما يريدون دون حتى السعي لقضاء أمورهم وحدهم، فيتحولون إلى أشخاص اتكاليين، إن لم تجد لهم البدائل التي تمكّنهم من التصرف في غيابها أو وجودها. ومع مرور الوقت وبذل الكثير، ستشعر بالتعب والإنهاك وضعف التعامل معهم جراء تكرار التجارب نفسها، أو ربما تنسحب فجأة كحلّ للخروج من أزمتها النفسية وجلد ذاتها.
مسك العصا من المنتصف
باعتقاد التُّهامي، لا بد أن تحدد هذه الزوجة المعطاءة طبيعة الواجبات والمهام التي تقدر على تقديمها، وترك المهام المتبقية يقومون بها وحدهم.
بالمقابل، يفرض عليها الواقع تحديد الأشخاص الذين يستحقون الاهتمام الزائد؛ إذ ليس كلهم يستحقونه بالمستوى نفسه، وذلك تجنبًا لإيذاء مشاعرها إذا وجدت أن خدماتها طوال النهار ذهبت سدى، ولم يُقدّرها أحد، في وقت تحتاج فيه إلى من يساعدها ويسندها.
وما يخلص إليه التُّهامي هو ضرورة حفاظ المرأة على صلابتها النفسية مهما تغيرت الظروف وطريقة معاملة الآخرين لها، وعدم الإنصات إلى أي لوْم يُلقى على مسامعها؛ فاهتمامها ومسايرتها للجميع على حساب صحتها وكيانها وتقدير ذاتها أمرٌ خاطئ، وكلما كانت أكثر دفاعًا عن حقوقها لن يقدروا على تجاوز الحدود التي وضعتها لهم.