يأخذنا الجزء الثاني من فيلم الفيل الأزرق نحو الخيال المغلّف بالتشويق والإثارة، ليبقى المتفرّج في متاهة الدراما النفسية ويظل في حالة تيقظ ذهني، ممزوج بالتوتر الدائم، وهي مهمة تولّاها الفنان كريم عبد العزيز، وأبدعت فيها هند صبري.
يمتدُّ "الفيل الأزرق 2" ليستكمل حلقات جديدة للسلسلة المُغلقة في الجزء الأول، ويفتح أمام المشاهد إشكالية جديدة بأدوات سابقة وهم الأبطال، وبالتحديد البطل الرئيس "دكتور يحيى راشد" الذي تمّت مراقبته في أول ظهور في الفيلم وهو تائه، مخمور، يعود إلى بيته شاردًا بعد غياب في حالة تؤكّد أن حياته لا تسير على أفضل حال رغم زواجه من حبيبته "لبنى" وتكوين أسرة تبدو سعيدة. حالة الشرود تلك تُذكّر بالتعرف الأول على يحيى في الجزء الأول.
تحدي كتابة الجزء الثاني
يُواصل الكاتب أحمد مراد الحكاية نفسها، ولكن بشخصيات أخرى، ليظلَّ الأمر متعلقًا في طريقة صياغة الإثارة النفسية، وإبقاء المتفرّج في حالة دائمة من التوتر، الذي يتطلبه هذا النوع من الأعمال، وقد يحتاج قرار إصدار جزء ثانٍ منه، جرأةً واضحةً، خاصةً أن الفيلم لم يعتمد هذه المرة على رواية مكتوبة، وإنما على نص جديد، تولاه أحمد مراد، في محاولة منه لتقديم جزء ثانٍ من الرواية، ولكن بشكل سينمائي، وليس رواية أدبية، وهو ما يخلق تحديًا جديدًا أمام مراد، في حال قرر المضي قدمًا نحو إنتاج جزء ثالث من الفيلم، أمر قد يكون متوقعًا بناءً على ما انتهت إليه الأحداث، حيث يرتدي كريم حُلّة من "التاتو" على جسده.
تدور أحداث الجزء الثاني من الفيلم حول قضية أخرى يتورّط فيها الدكتور يحيى راشد تفتح عليه أبواب الجحيم، فيبدأ الفيلم بمشهد يدفع الأدرينالين الى جسد المُتابع بسرعة، الأمر الذي يجعله منتبهًا من الوهلة الأولى منتظرًا ما هو مقبل على مشاهدته.
ولا ننسى موسيقى "هشام نزيه" التي تتغلغل داخل المشاهد فتدفعه للسكون والمشاهدة في ترقُّب لما هو مقبل عليه.
في الجزء الثاني من الفيلم تفوّقت الخدع البصرية بشكل واضح على الجزء الأول، وجاء تنفيذها على قدر كبير من الجودة والدقة وبمستوى تشهده السينما المصرية للمرة الأولى.
المشاهد المكرّرة مزعجة للمشاهد
من المآخذ على هذا الجزء هو تضمنه الكثير من المشاهد المكررة من خلال تقنية "الفلاش باك"، فلا يكفي أن يرى المتابع موت الأسماك في الحوض المائي مرة، ولكن يجب أن يكررها على المشاهد 3 أو 4 مرات، ولا يكفي أن يسمع فريدة/هند صبري تخبر يحيى: "خلي بالك من الأسد"، يجب أن يعيد على سمع المشاهد تلك الجملة الحوارية مرة أخرى بعد أن تصدم سيارة يحيى شاحنة كبيرة تحمل صورة الأسد، ولا يكفي أن ينظر يحيى بشكل موحٍ إلى كلمة "إسعاف" المطبوعة عكسيًّا على مقدمة سيارة الإسعاف ليفهم أن حروف التعويذة هي الأخرى مكتوبة عكسيًّا، بل يجب عليه أن يعيد المشهد مرة أخرى، ويُعيد أيضًا كلمات عرافة الغجر المباشرة الواضحة: "مراية تعكس الحقيقة" ليفهم المشاهد أن "تعكس" هي علامة البطل لعكس الحروف.
ويُربك الفيلم قليلًا بتركيزه على زيادة جرعة التشويق والغموض واللهاث وراء التواء الحبكة ظنًّا أنه بذلك يحقق المقصد ومطلب المشاهد.
ربما يكون ذلك كافيًا بالنسبة لمشاهد متواضع الخبرة والثقافة السينمائية، ولكن المشاهد الذي يمتلك بعض الخبرة ولديه الاطلاع على جديد السينما العالمية أولًا بأول لن يرضى بهذه الوجبة السينمائية وسيعتبرها غير مكتملة.
أداء نجوم الفيل الأزرق في الجزء الثاني
قد تكون الفنانة هند صبري قد قدّمت الأداء الأفضل لها خلال مسيرتها الفنية بتقمُّص شخصية "فريدة " المريضة المرعبة التي تعاني من الهلاوس.
يبدو هذا جليًا في بداية ظهورها بالفيلم من خلال نظرتها المعبّرة إلى اللاشيء في إشارة إلى هلوسة نفسية واضحة وكلمات تحذيرية غير مفهومة ترددها على شخصيات الفيلم.
الفنانة قدّمت مزيجًا من تعبيرات الخوف والرعب لتجذب أنظار المشاهدين وتأخذ النصيب الأكبر من الإشادات على تقمصها للشخصية وبثّ الرعب في عيون الجمهور من خلال نظراتها العابثة وحركاتها التي تثير القلق والتوتر.
كما قدّم كريم عبد العزيز شخصية الدكتور "يحيى راشد" التي ابتكرها الكاتب "احمد مراد" الطبيب النفسي الذي يعاني من التشتت الذهني والإحساس الدائم بالذنب والوحدة، أداؤه أقوى من الجزء السابق وأكثر تعبيرًا، فقد تعايش المشاهدون مع تعبيرات الوجه التي قدّمها ببراعة شديدة، خليط من التوتر والخوف ظهر في الشخصية، إجهاد واضح ويأس يعيشه طبيب متهم بالمرض النفسي لا يصدقه أحد يعيش معاناة نفسية واضحة ودائرة تشتت لا تنتهي.
أمّا النجمة "نيلي كريم" فقدّمت أداءً أفضل من الجزء الأول بكثير بحسب المتابعين، وهذا يرجع إلى إضافة مساحة أكبر للشخصية التي استطاعت "كريم" تقديمها بطريقة لافتة، حيت تميّزت شخصيتها في هذا الجزء بالهدوء التام والبرود والتصرفات الطائشة الغريبة التي تحوّلت لها بناءً على تأثير الأحداث وسيرها.
وأضاف النجم الأردني إياد نصار بطل الأفلام الحالية بأدائه القوي للشخصية بعدًا أعمق، حيث أبدع في تعبيراته ونبرة صوته، وتُنبئ الكاريزما التي يحملها بداخله عن فنان مبدع، حسب ما رآه الجمهور.