بعد دخول مسلسل "الهيبة" بأجزائه الثلاثة، وبأحداثه المتسارعة ومشاهده الاستعراضية وشخصياته بشكلها وقالبها، ما زالت الشخصية الأكثر بروزًا "جبل شيخ الجبل" التي أداها الممثل السوري تيم حسن، شخصية عالم المافيا، الشخصية الأكثر تأثيرًا في عقول كثيرين، عدا عن احتلالها حديث الشارع ومتابعيه، وصولاً إلى زيادة أعداد مقلديه من فئة الشباب بصورة أكبر.
تمكن جبل شيخ الجبل بشخصيته وتمرده من تحريك مشاعر القومية والقبلية في نفوس مشاهديه، وأصبح من خلال دوره "البطل المغوار"، الذي يطيعه الكبير والصغير، ولا يعصيه أحد، محطّ أنظار الشباب الذين باتوا وبشكل واضح يقلدونه إن لم يكن في ملابسه، فبقصة شعره، أو كلامه الذي تحول إلى "علامة تجارية" متداولة بين الناس ككلمة "مِنتهية"، أي تنفيذ قراراته دون الرجوع فيها.
لماذا شخصية "جبل" دون غيرها من الشخصيات؟
تردّ الأخصائية النفسية ومدربة التنمية الذاتية سحر مزهر ذلك التيمُّن والتأثر بشخصية جبل، إلى ظهوره في وقت يعاني فيه الشباب حالة من الخذلان والذل، فاقتدوا بشخصيته الصارمة وبقوته وتمرده كنوع من الإثبات لذاتهم الذي يحلمون به، وأخذوا يقلدونه بكافة تفاصيله وصولاً إلى تقليد أسلوبه في علاقاته المتعددة مع النساء، في سبيل تشبُّه الشباب به ولو بالشكل الخارجي.
ولكي يشعروا ببعض القيمة الذاتية، باتوا يعتقدون بأن الرجولة مرتبطة فقط بالسلاح وبعمل المافيا اللذين كان يمارسهما جبل بالمسلسل، لا سيما أنه كان صاحب سُلطة، وطلباته أوامر يجب تنفيذها، وإن لم تُنفذ يهدد ويتوعّد بالانتقام، بالمقابل، يجد لكل مشكلة حلاً، الأمر الذي حوّله إلى شخصية يحلم بها الكثير من الشباب، حتى وإن كان من غير الصواب تواجدها على أرض الواقع أصلاً.
الخطورة في تقليد شخصية جبل
باعتقاد مزهر، فإن الخطر في تقليد شخصية جبل تكمن في الكثير من مشاهده في المسلسل، لأنه كان ظالمًا ومتمردًا على القانون، ناهيك عن استخدامه السلاح والقتل، إضافة إلى شبكة علاقاته النسائية التي جعلته ينتقل من امرأة إلى أخرى بسهولة؛ وهذا ما أعطى صورة للشباب أن من حق الرجل القوي أن يحظى بالمتعة وعلى رأس تلك المتعة النساء.
إن أخطاءه وإجرامه لا يمكن قبولها ولا تبرئته، كما لا تجعله بطلاً وقدوة؛ فالرجولة ليست بالصوت العالي والتهديد والتمرد ومخالفة القوانين، إنما ترتبط بالمسؤولية الحقيقية تجاه ذاته وعائلته ومجتمعه، ومعرفة الحقوق والواجبات واحترام المرأة واحترام اختلاف الآخرين دون اللجوء إلى قانون الغاب.
خطورة على المدى البعيد
وعن خطورة تيمّن الشباب بشخصية جبل، مزهر كانت لفتت إلى أن الخطورة في شخصيته لن تكون على المدى القصير فحسب، وإنما ستمتد إلى ما هو أبعد من ذلك؛، فالخلل الذي أحدثه حول ارتباط الرجولة بالحركات الاستعراضية من سيارات ومال وكلمات رنانة وعنف وصوت عالٍ وقلة احترام، زرع في شبابنا المبدأ الذي يقول إن العنف والقتل والتعنيف هي الأساس في فك النزاعات والخلافات، فيما الذوق والاحترام والتفاهم واحترام الإنسانية ونبذ العصبية ليست إلا أخلاق الضعفاء.
كما تمكنت شخصية جبل من اختزال الرجولة برجل المافيا، علاوة على خلق نمط مخيف عن طبيعة علاقة الرجل بالمرأة من حيث التعامل والإخلاص والحدود، ولأنه قوي ومتمرد، فله تنصاع جميع النساء من حوله؛ ما شكل مفهومًا مشوهًا في عقول الشباب يؤكد أن القوة والجاه والمال والسلطة تعطي الشاب الحق في الحصول على ما يريده وفي الوقت الذي يريده، حتى لو الأمر تعلق بالنساء.
وبالنتيجة، وحسب توقعات مزهر، إذا استمر التأثر بشخصية جبل شيخ الجبل إلى مدى طويل، فسنحصل على جيل متنمر ومتمرد لا يحكمه عرف ولا كبير، إنما حكمه من نفسه، يغيب عنه الاحترام، ويعمل على سيادة العنف، ورفع صوته دون داعٍ ولا مبرِّر.
وما انتهت إليه مزهر بالقول: "شبابنا يحتاجون إلى القدوة التي تغذي وتلبي احتياجاتهم، لا للقدوة التي تمثل جانب القوة والعنف".