بقدر الفرح الذي يعم لقاء الشريكين في بداية حياتهما الزوجية، ورغبتهما في تحقيق آمالهما وطموحاتهما معًا، نجد على أرض الواقع أن كثيرًا من الأزواج يلجؤون إلى الصمت بعد حين، مقابل الإبقاء على سير الحياة العائلية كما هي والحفاظ على شراكتهم أمام الآخرين، وربط علاقتهم بالمسؤوليات الاجتماعية والأمور المادية فقط.
وحول ذلك، تتحدث الاستشارية التربوية والأسرية الدكتورة أمل بورشك بقولها: "بعد حين من الزواج، يمر الوقت وتزداد الفجوة بين الشريكين، فنسمع عبارات تطلق على أحدهما بأنه زائر، أو تآخينا، فيبتعد الزوجان عن مفهوم الرباط الوثيق والمقدس بينهما، ومع مرور الوقت يعتبران أن التعايش مع هذا الأمر بات طبيعيًا، وهو أفضل من الخلاف و الشجار وتعالي الأصوات".
التأثير السلبي على الأبناء
وتضيف بورشك: "وبالنهاية يقود هذا الوضع الزوجين إلى الشعور بالوحدة والعزلة واليأس والفتور والضجر والانخراط في روتين ممل؛ ما يساهم في انعكاس ظلال صمتهما بشكل سلبي على الأبناء"
ووفق الاستشارية بورشك، فإن الكثير من نتائج الدراسات النفسية حول الانفصال النفسي بين الأزواج أشارت نتائجها بتحول مثل هذه العلاقات إلى مولد ومنجم للأمراض النفسية والعضوية وأكثرها شيوعًا "الشكوى من الإرهاق العام المزمن والذي أساسه الفراغ العاطفي"، واللجوء إلى العقاقير والمهدئات، لجمود العواطف والابتعاد عن التواصل الإيجابي لبناء تشاركية فاعلة، مع البحث عن الراحة بعيدًا عن الشريك، فيزداد الشريكان ابتعادًا، ويتم دفن الحيوية بينهما.
عدم وجود ثقافة مشتركة
وكل ذلك، تقول بورشك يأتي لفقدان أجواء الاهتمام والتشجيع ورفع الدافعية للطرفين، وعدم تواجد ثقافة مشتركة فكرية أو تعليمية، فيرفعان لافتة كتب عليها الحظ العاثر، فيقودان الأسرة بها نحو المستقبل الذي يتطلب كل ذرة من جهود العائلة بقيادة محبطة ومملة وقوامها الانسحاب والتقهقر أمام التحديات.
ولعل من أهم الأمور التي تتجلى نتيجة هذا الوضع هو الابتعاد عن نقطة الارتكاز الحقيقية للزواج وهي الاشباع العاطفي والوجداني والجسدي للزوجين، وهذا يؤدي إلى فتور في قوة العلاقة الزوجية والاتجاه نحو تبرير ذلك بتفاقم المسؤوليات الملقاة على عاتقهما تجاه الأسرة، وتخبو لديهم قوة العطاء، فالحب والتراحم والتواد والإحساس بالآخر هو سر نجاح الزواج الحقيقي.
وبحسب بورشك، فإن التباهي بإطلاق مسميات على العلاقة الزوجية بالطلاق الصامت أو الطلاق العاطفي، أو الانفصال النفسي يقود إلى ازدياد الفجوة بين الأزواج يوميًا، وهذا يؤثر سلبًا على الأبناء، فيما يتطلع بعض الأزواج للمحاولات اليائسة التي حاولوها لتغيير الواقع، وإعادة النظر في تصرفاتهم بطريقة سلبية، وأنه لا فائدة منها، لكن الصحيح عليهم أن يصبروا ويثبتوا قدر الإمكان وأن يعملوا على خلق نقاط تسعدهم وتزيد من تشاركيتهم قدر الإمكان.
اختفاء لغة الحوار
ولعل اختفاء لغة الحوار أيضًا يفقد الأسرة القوة اللازمة لتحريك حياتها، فلا بد من إعادة شحن القوة العاطفية التي تسهل بدورها أمور الحياة المعنوية قبل المادية، فضلًا عن أن البعض يبتعد عن الكلمة الطيبة مهما صغرت؛ ما يؤدي إلى زيادة صعوبة التعامل، وازدياد شعور المقاومة والخجل من إظهار الحاجة للشريك الآخر؛ الأمر الذي يزيد من الإحساس بالبرودة وتفشي الأمراض النفسية.
وتشدد بورشك على أن عدم الاهتمام بنقطة ارتكاز عاطفية قوية في الحياة الزوجية يقود الزوجة للبحث عن الحب لدى الأبناء والاهتمام بهم، فيما يهرب الزوج إلى العمل المستمر والنجاح الوظيفي والعلمي وتحقيق الطموحات الذاتية، على حساب نقطة الارتكاز الأساسية، فيعودان غريبين عند اللقاء معًا؛ لعدم وجود أي مشاعر أو أحاسيس تجمعهما.