تداولت مواقع إخبارية قبل أيام خبر إصابة فتاة بانهيار شديد جراء وفاة كلبها.
ولأنها تعدّه واحداً من أفراد العائلة، أقامت له جنازة فخمة كلّفتها 5000 دولار أمريكي، ولم تكتفِ بذلك، بل امتنعت عن الطعام حزناً عليه خصوصاً أنه توفي بسكتة قلبية، كما استغرق عزاؤه طقوساً وتكاليف عدّه متابعو السوشال ميديا ظاهرة استثنائية تستحق رأي ذوي الاختصاص.
ومثلها سيدة أخرى تتسم حياتها بالصعاب مع زوجها احتفلت بالخلاص منه بتكاليف احتفال بالطلاق في أحد الفنادق الكبرى، تكفي لتزويج ثلاث فتيات.
"فوشيا" حملت هذه الظاهرة، التي تتخذ أشكالاً شتى من الحزن والفرح باهظي التكاليف غير المبررة، وطرحتها سؤالاً على الأخصائية النفسية ومدربة التنمية الذاتية سحر مزهر، فكان توصيفها الأول لهذه الظاهرة بأنها "أمراض الرفاهية المستفزّة".
وقالت: "لا أحد ينكر أن الرفاهية حق مشروع لراحة الإنسان، ولكل إنسان الحق في التصرف بماله كما يشاء، في حدود القانون. والقانون لا يمنع إقامة جنازة للقط أو الكلب المنزلي، كما لا يمنع امرأة من الفرح بطلاقها".
وتضيف مزهر: لكن الشطط في الفرح يكون مستفزاً للآخرين عندما يتعارض مع مفاهيمهم للمال ومسؤوليته الاجتماعية، أو عندما يصطدم بحقائق اجتماعية عامة مثل: ضيق الحياة المعيشية للغالبية.
ورغم أن انحرافات الرفاهية والبطر لا يعاقب عليها القانون، لكن الناس يعاقبون من يقترفها بتحويله إلى ظاهرة تستحق التحليل النفسي، كما ترى.
ومن وجهة نظرها، فإن أمراض الرفاهية تنشأ معظمها عندما يتحقق الثراء بلا تعب، ويكون صرف المال بلا حساب ومن دون تأنيب ضمير. في مثل هذا الحال، كما تقول مزهر، يفقد البعض، معنى المال ويفقد معه متعة استخدام الثروة في مكانها الحقيقي، في سبيل البحث عن التجديد والإثارة والمتعة، من خلال هدر المال. ولذلك نسمع ونرى من هذه الفئة ممارسات خارجة عن المألوف وأحياناً شاذة أو استعراضية يصعب تصديقها.
الاستعراض من خلال السوشال ميديا
وتشير مزهر في هذا الخصوص إلى نزعة "الاستعراض" التي تجعل بعض النساء المرفّهات يتنافسنَ في ابتكار المناسبات سعياً وراء التميز، خصوصاً بعد اتساع تأثير وإغراء صفحات السوشال ميديا التي توفر لهنّ قوة الانتشار المصحوبة بالصخب الإعلامي، السلبي منه والإيجابي.
وتضيف أن وفرة المال لدى هذه الفئة تفتح لها المجال لابتكار مناسبات غير عادية وشحنها بضجة إعلامية لا تلبث أن تجد الكثيرين ممن ينتقدونها، وأحياناً يسبغون عليها صفات الانحراف.
فراغ تملؤه الحركات المفتعلة
وتضيف الأخصائية إلى ما أسمته بـ "أمراض الرفاهية المستفزة"، جانب الفراغ المترف الذي قالت إنه يستبدل الأهداف الإنسانية القيمة في حياة الإنسان، بحركات استعراضية مفتعلة، مثيرة للجدل في غياب أي أهداف وطموحات شخصية تتضمن الجِدّ والمعاناة.
وبتقدير مزهر، فإن توظيف المال في الاستعراض والتباهي ليس بالأمر الجديد؛ فهناك من يرونه حقاً لصاحبه، وآخرون يرونه استفزازاً واعتداءً على مشاعر الآخرين أو قيمهم؛ لكن الجديد في الموضوع هو أن هذه السلوكيات أصبح لها إعلام اجتماعي يوسع انتشارها بالصور، ويشرك الجميع في الجدل والرفض أو التأييد، وهي أضواء تستهوي الكثير من النساء وتأخذ حجماً غير عادي لكونها متعلقة بالمال والمرأة معاً.