لم تكن "أمة الله باحاذق" تتوقع أن مرافقتها لابنتها المُبتعثة للدراسة في بريطانيا في العام 2009، ستحقق لها ما هو خارج التوقعات، وأن التعرُّف على بعض الصديقات هناك سيمنحها فرصة تعلُّم رياضة "التاي تشي" التي لم يكن أحد في المنطقة يسمع عنها.
ففي المرة الأولى التي أطلعتها صديقتها على تمارين تلك الرياضة، اكتشفت السيدة باحاذق أن ممارستها لها خففت من آلام ظهرها المزمنة، علماً بأنها خضعت للعلاج الطبيعي والكهرباء والمسكّنات، دون الحصول على أية نتيجة.
تقول باحاذق في حديثها لـ فوشيا"، إن التاي تشي وإن كانت إحدى الفنون القتالية الصينية القديمة، لكن بدأ حديثاً بتوظيفها لتحسّن من صحة الإنسان، واستخدامها كنوع من الرياضة الهادئة والبطيئة، ما منحها مزيجاً من الفائدة والمتعة.
باحاذق وهي تستعرض أهمية تلك الرياضة التي تشبه في مضمونها رياضة الكونغ فو، أشارت إلى أنها تُمارس في حالة الوقوف، ولكن بحركات بطيئة جداً، بهدف إحداث الوعي عند المتدرِّب بطريقة استخدام أجزاء جسمه وتحريكها بطريقة سليمة تخفف أي ضغط عليها، حتى يتحقق تخفيف الآلام وتخفيض المشاكل الصحية التي يعاني منها، مشيرة إلى ميزة التاي تشي في جمعها ما بين التنفس العميق والاسترخاء والحركات اللطيفة والبطيئة.
نقْل التاي تشي إلى السعودية
أحبّت السيدة باحاذق الرياضة وطريقة ممارستها فواصلت تعلُّمها إلى أن رجعت إلى السعودية، وقررت تعليمها وتطبيقها في محيطها لتكون بذلك رائدة هذا الفن الرياضي في المملكة.
وعلى نطاق ضيق، بدأت بتدريب الموظفات العاملات معها في المستشفى، دون أن تكون حصلت على الشهادة التي تخوّلها وتجعلها معتمَدة للتدريب؛ ما جعلها تسافر إلى بريطانيا لتحصل على اعتمادها كمدرب لرياضة "التاي تشي - التهاب المفاصل"، ولما حصلت عليها، نالت بذلك لقب "المدرّبة الأولى المعتمدة في الشرق الأوسط" لهذه الرياضة.
ومن هنا كانت انطلاقتها الفعلية، إذ بدأت بتحفيز من حولها للحصول على اعتمادات كما حدث معها، حتى تسهم في انتشار تلك الثقافة، وهو ما تحقق لها، حيث وصل العدد بعد عام واحد إلى 12 متدرِّبة.
رؤيتها المستقبلية
عادت باحاذق لتؤكد أن سعيها لتعلُّم كل ما يخصّ تلك الرياضة، أوصلها بالتدريج إلى مرحلة الحصول على لقب "مشرفة"، ثم "مُدرّبة مدرّبين"، وهو ما مكّنها أيضاً من امتلاك كل صلاحيات اعتماد مدرّبين قادرين على تعليم الأسس الخاصة لتدريب هذا البرنامج. "التسريع في وتيرة العمل على نشر تلك الرياضة على نطاق أوسع" كما قالت.
ولم تكتفِ باحاذق بالحصول على رخصة "التاي تشي - التهاب المفاصل"، فقد ألحقتها بـ "التاي تشي - السكري"، و"الحماية من السقوط" الذي تصفه بأنه يتسبب بأوجاع كثيرة.
برنامج معتمد في السعودية
لم يكن تقبُّل هذه الرياضة بالأمر السهل لمن لديهم الفضول لتعلُّمها، تقول باحاذق، لكن معرفة العديد من الأطباء ممن تلقوا تعليمهم خارج المملكة، بمدى مساهمة التاي تشي في مساعدة كبار السن على تحسين صحتهم بصورة تمكّنهم من التحرك البطيء، ساعدها في التواصل معهم والتوعية والانتشار إلى أن أصبح البرنامج معتمداً من الهيئة السعودية للتخصصات الصحية.
المرأة السعودية سبقت الرجل لهذا العلاج التكميلي
شكلت باحاذق قصة نجاح في ارتياد الرياضة الصحية والعلاجية وثقافتها المتصلة بالرضا والاستقرار والتعافي، لكن طموحها كان أكبر من ذلك.
فتقول باحاذق "تفرغتُ بعد ذلك للتاي تشي، وإن كانت أبعدتني عن وظيفتي كأخصائية نفسية، إلا أنني ألقيت على عاتقي مساعدة الناس في تعلمها وممارستها بهدف تحسين صحة كل محتاج لهذا النوع من العلاج التكميلي".
وتضيف: "أحلم بأن تتعمم ثقافة العلاج التكميلي لتُحدث الفرق من الناحيتيْن الذهنية والجسدية على المرضى المراجِعين، وطموحي بأن تتعمم رياضة التاي تشي على الرجال في المجتمع السعودي بعد أن سبقتهم المرأة إليها".