جمالها ذا ملامح مصرية أصيلة، وسُمرة بشرتها النيلية ترسم قسمات الوطنية على جبينها، لقبها البعض بـ"سمراء النيل"، واعتبرتها مجلة "التايم" الأمريكية واحدة من أجمل عشر نساء في العالم، فتلك الفتاة التي نُشرتْ صورتها في إحدى المجلات المصرية عام 1939، كأحد الوجوه الجديدة.
مديحة يسري، هي نفسها "هنومة خليل" التي تعلَّق بها فؤاد، الأديب الكبير عباس محمود العقاد، منذ رؤيته للصورة ودعاها إلى حضور صالوناته الأدبية الأسبوعية، وأغدق عليها بعطائه الفكري والأدبي، بشكل فتح أمامها أبواب العلم والمعرفة. وقيل أنّ روايته الوحيدة التي حملت اسم "سارة" كانت عنها، لكنها اكتفتْ بدوره في حياتها، كمعلم وأستاذ وصديق.
كتبتْ مديحة يسري مذكراتها في كتاب لجمهورها، تشرح فيه ما قدّمته على مدى مشوارها الفني من نحو 100 فيلم و30 عملاً تلفزيونيًا وإذاعيًا.
ولدت عام 1921 بالقاهرة، ونشأت في عصر كان ينظر فيه للفنّ على أنه "سُبّة"، إلى الحدّ الذي كانت ترفض فيه شهادة المشخصاتي، الذي أطلق عليه فيما بعد اسم "الممثل" أمام القضاء.
كانت أسرتها ضمن المجتمع الذي رفض عمل أبناء العائلات في الفنّ، إلا أنّ هنومة كانت مشبعة حتى أطراف قدميها بالموهبة الفنية، فأصرّتْ على إشباعها، بدءًا من مدرسة التطريز بحي شبرا الشعبي، التي مارست فيها الرسم، وكثيرًا ما نالت استحسان مدرساتها وإعجابهنّ برسوماتها ولوحاتها.
وكان سلاح مديحة في البحث عن ذاتها واستخراج الفنانة من داخلها هما الإصرار وجمالها، كذلك مساندة خالتها التي كانت دائمًا ما تشجعها على خوض تجربة التمثيل، حتى شاء حظّها أنْ يراها مصادفة المخرج محمد كريم، فيجذبه جمال عينيها فذكرته بأميرات عصر الفراعنة، فقرّر منحها دورًا صغيرًا في فيلم "ممنوع الحب" لمحمد عبد الوهاب في عام 1940.
وعلى الرغم من أنها لم تظهر فيه سوى لثوان معدودة، إلا أنّ تلك الثواني كانت كفيلة بتغيير مجرى حياتها، لأنها شعرت أنّ الفن هو الطريق الوحيد الذي يمكنها السير فيه، رغم تأخّر أدوار البطولة لمدة عامين كاملين.
وفي عام 1942، كانت بداية النجومية من خلال فيلم "أحلام الشباب" مع الفنان فريد الأطرش، وتوالت أعمالها التي أشعلت فتيلة الإعجاب بها عند مشاهديها وزملائها، حتى كتبت عنها الممثلة المسرحية زينب صدقي في إحدى المجلات الفنية: "من ينظر إلى وجهها للوهلة الأولى يحسبها شخصية حزينة هادئة، لكنها في الحقيقة تميل إلى الفرح والفكاهة، فضلاً عن كونها تملك طاقة كبيرة من الثورة والطموح، هي شخصية عربية أصيلة، وكوكتيل جميل لفضائل العرب في كأس جذاب يغري بالشرب".
ولا يقلّ دور مديحة يسري في عالم الإنتاج، عن دورها في عالم التمثيل، حيث أنتجت 18 فيلمًا سينمائيًا، عالجت من خلالها قضايا أثارت اهتمامها، وفي مقدمتها علاقة المرأة بالرجل والمجتمع الذي تعيش فيه.
ومن أبرز تلك الافلام فيلم "الأفوكاتو مديحة" مع يوسف وهبي، الذي يعدّ واحدًا من أبرز الأفلام العربية التي تتناول قضية حقّ وجدارة المرأة في العمل، وفيلم "بنات حواء" مع محمد فوزي، الذي طالبت فيه بالمساواة بين الرجل والمرأة.
وفي التلفزيون شاركت مديحة يسرى في العديد من المسلسلات التلفزيونية، ومنها "هوانم جاردن سيتي" و"يحيا العدل"، و"طائر العنق" مع الفنان حمدي غيث، وغيرها من الأعمال، التي لاقت استحسان الجمهور.
أما حياة مديحة يسري الخاصة، فقد شهدت أربع زيجات، 3 منها كانت من الوسط الفني، وكان أولها عند زواجها من المطرب والملحن محمد أمين، الذي كان يقول عنها "إن نظرة واحدة من عيون مديحة لأي رجل تجعله في حالة هذيان"، وقد أثمر زواجهما عن تأسيسهما لشركة إنتاج سينمائي وأنتجا خلال 4 سنوات هي عمر زواجهما العديد من الأفلام مثل "أحلام الحب" و"غرام بدوية"، و"الجنس اللطيف".
وبعد انفصالهما، تزوجت يسري من الفنان أحمد سالم عام 1946، ولكنها زيجة لم تستمر طويلاً، حيث وقع الانفصال لتتزوّج من الفنان محمد فوزي، الذي ساندته كثيرًا في تأسييس شركة الأسطوانات الخاصة به، وحدث اللقاء الأول بينهما في فيلم "قبلة في لبنان"، وقد أثمر زواجهما عن ابنهما عمرو الذي توفي في حادث سيارة.
أما آخر زيجاتها فكانت من الشيخ إبراهيم سلامة الراضي، شيخ مشايخ الحامدية الشاذلية الصوفية، وتقول مديحة يسري عن حياتها: "لم تخل حياتي من الصعاب والمحن كانت أقساها فقدي لابني عمرو محمد فوزي ولكنني تعلمت الصبر والجلد في كل ما مررت به من مواقف، فأنا على يقين من أنّ الإنسان مقدر له كل ما يحدث في حياته ولا يملك سوى الصبر".